top of page

سرد وإيقاع في الكتابة يحاكيان عالم طفلة تتذكر  شذا شرف الدين: أنا خلاصة التحولات التي تعرضت لها في حياتي  ​

عناية جابر

السفير ٣ تموز ٢٠١٢

 

في روايتها الأولى ترجع شرف الدين "فلاش باك" الى الماضي، ماضيها ومواضي من عايشها وزاملها، في رحلة ذكية متنبهة ومتأملة وحاضنة. غالبية التفاصيل قد تبدو هامشية سوى أنها في الحقيقة اللبنة التي تبني عليها عمارة السرد الرشيق، الهازئ والمكتنز حباً مع ذلك. حول كتابها، عن "دار الساقي"، كان هذا الحوار:
* ماضيك في " فلاش باك" متخفّ في ماضي محيطك وأسرتك ومراتع طفولتك، كما لو هو ردّ فعل على مواضي الآخرين؟
- أرى أن الكتابة "فعل" وليست "ردّ فعل"؛ أما الكلام عن مواضي الآخرين فهو الكلام عن ماض يعنينا جميعنا، أقصد يعني البلد الذي ولدت وكبرت فيه وواكبت تغيّراته من قرب حيناً، وعن بعد حيناً آخر. في كتابي أيضاً حب للناس الذين شاركوني ذاك الماضي وتذكّر لأحداث ما زلت إلى الآن أحاول فهمها. سنواتنا التي هي وراءنا هي دائماً أمامنا أيضاً، بكلّ ما فيها من جميل وقبيح.

* ثمة ذلك الافتضاح والكشف لكل ما بدا لك مؤذياً في طفولتك وصباك، كما تحتوي نصوصك عدا الملامسات الشعرية في تأمّل الوجود، جوانب سياسية واجتماعية وأيديولوجية تستثير أسئلة؟
حين كتبت هذا النص لم يكن هدفي كشف أو فضح أي شيء. أردت فقط أن أستعيد العوامل التي شكّلتني مركّزة على كوني تربّيت في محيط مختلط، والحديث عن هذه العوامل من خلال تجربتي الشخصية، وإلى حدّ ما من خلال تجربة أبناء جيلي الذين مرّوا في ظروف مشابهة فاحتكّوا بـ"الآخر" الديني والطائفي بكل إيجابيّات وسلبيّات ذاك الاحتكاك. فأنا مثلي مثل كلّ الآخرين خلاصة التحولات التي تعرّضت لها في حياتي.
لكن المفاجئ أن كثيرين ممن قرأوا الكتاب، وممّن ينتمون إلى طوائف وأجيال مختلفة عن طائفتي وجيلي، وجدوا شيئاً من أنفسهم في هذا الكتاب.

* ماذا يمكن لنصوصك أن تصّوب في تأريخك لزمن مضى؟ هل الكتابة هنا، طريقتك في معالجة ذلك التاريخ أو الإشارة إليه؟
- لا أظن أن الأمر علاجي، فأنا لا أعتقد أنني أعاني مرض الماضي. مع هذا، أعتقد أن التفات واحدنا إلى ماضيه قد يكون مفيداً في كل الأحوال، خصوصاً في حالة بلد كبلدنا لا يزال يعيش نزاعاته التي يبدو أن لا نهاية لها. وهي ربما كذلك لكوننا لا نعيد النظر فيها بما فيه الكفاية.

الاختصار
* اللغة رشيقة وحّرة تماماً في "فلاش باك" تسترسل حين يروق لك الاسترسال، وتكفّ حين ترين لها أن تكّف. هل هذا تكتيكك فني مقصود بغية كتابة جديدة، وشخصية إذا صحّ التعبير؟
- لم أخطّط للكتابة بأسلوب بعينه. جاء هذا الإيقاع، إذا جازت تسميته كذلك، بعفويّة، ثم صار مقصوداً لأنه راق لي ووجدته يشبه عالم الطفلة التي تتذكّر. ثم إن الكتابة بالنسبة إليّ تشبه الخط. فأنا أكتب بخطوط مختلفة جداً، حتى أنني أحياناً لا أفهم أنا نفسي خطّي. في الكتابة يحصل معي ذلك أيضاً فيتغيّر الأسلوب بحسب الموضوع الذي أكتب عنه. الفصل الأول (prélude) على سبيل المثال، مكتوب بأسلوب مختلف تماماً عن بقية الفصول، وهذا الاختلاف كان ضروريّا لأنّني فيه أتحدّث عن نفسي بصيغة الغائب، أما الفصول الأخرى فمكتوبة بصيغة الأنا.

* أنت ضنينة في كتابة نفسك، فكل مرحلة من حياتك نجدها مسنودة مع شذرات من حيوات آخرين، أهلك أو أصحابك، حتى قصة حبك الأول أراحك الانتهاء منها في فصل قصير.. لماذا؟
- إنه سرد من وجهة نظر طفلة وليس من وجهة نظري اليوم كإنسان راشد. وحياة الطفل الداخلّية مرتبطة بشكل أساسي بمحيطه، فمنه يستمدّ المعاني التي يفسرها وفقاً لمخيّلته الخاصة بحيث تظهر فرديته في كيفية استيعابه للأمور التي يراها ويسمعها. والكتابة المختصرة تشبه حياة الطفل الداخليّة، التي تنتقل من مزاج إلى آخر بسرعة، مأخوذة بحدث جديد ينسيها، لحسن الحظ، ما شعرت به قبل لحظات. أو لنقل، تتناساه لتخفّف من وطأته. وقصة الحب الأولى بدأت فعلاً بسرعة هائلة وانتهت بالسرعة ذاتها ولم يبق منها سوى ما كتبته عنها. لكن هناك عاملا آخر في ما خصّ الاختصار في الكتابة عن الشخصي وهو أنني بشكل عام، لا أحب التمادي في استعراض مشاعري والتأمل فيها أمام الناس، وأعتقد أن اختصارها أخفّ ثقلاً على القارئ.

* إلى أي عمر تعودين في ذاكرتك في الكتاب؟
- إلى الذاكرة الأولى التي أستطيع التقاطها، أي ما يقارب السنتين والنصف، حين انتقلت مع أهلي إلى أفريقيا. يقولون لي إنني تعلّمت لغة البلد بسرعة وصرت في كثير من الأحيان أترجم لأبي لغة الأفارقة إلى العربية. على رغم ذلك فذاكرتي تلك غير واضحة تماماً، وهناك أشياء انطبعت في ذاكرتي على شكل حلم مشوّش. الفصل الأول نتاج ذاكرة وخيال في آن. فالرجل الأسود الذي أتكلّم عنه وُجد فعلاَ، لكن التفاصيل لست متأكدّة منها.

* هل صورة الرجل الأفريقي الذي كنت توقّعين به كتابك على شكل ختم خلال حفل التوقيع هو "الرجل الأسود"؟
- هي صورة مركبّة من ذاكرتي عنه. وجهه أمامي مغبّش بعض الشيء، وبما أنني لا أملك صورة له "ركّبت" واحدة تشبه ذاك الذي في مخيّلتي عنه، واخترت التوقيع بها كتحية له بوصفه أول من أخبرني القصص في طفولتي.


* لمن تقرئين؟ من تستلهمين من الكتاب العرب والأجانب؟
- لا أدري إن كنت أستلهم سوى من حياتي ومن الناس الذين عرفتهم أو تأثرت بهم. أما قراءة الروايات فأتت متأخرة لأنني لم أكن أحبها وكنت أفضّل الشعر والمسرح عليها. في المسرح أظنني ختمت شكسبير وقرأت الكثير من غوته وهوفمانستال وكلايست وغيورغ بوشنر وغيرهم من الكتاب الألمان. وفي الشعر كان باول تسيلان الشاعر الذي أثّر فيّ إلى أبعد حد، بالإضافة إلى نيللي زاكس وروزه أوسلاندر وإنغبورغ باخمان وسواهم. واكتشاف الرواية جاء مع كافكا الذي قرّرت قراءته لأنني شعرت، في لحظة ما، أن تجاهله معيب!. وكان اكتشاف كافكا ما حثّني على التعرّف إلى هذا العالم. يمكنني القول إن عالمَي تسيلان وكافكا هما العالمان الأكثر سحراً بالنسبة إلي. أما من الكتاب العرب، فبدأت التعرف عليهم قبل عشر سنوات تقريباً، وكان لاكتشاف حسن داوود في الرواية وعباس بيضون ووديع سعادة وبسام حجّار في الشعر وقع يشبه وقع اكتشافي لكافكا وتسيلان، رغم الاختلاف بينهم جميعاً.
في أي حال، نحن دائماً نتأثر بما لا نستطيع تحديده أكثر مما نعرفه ونحدّده.

 


* لمن تقرئين؟ من تستلهمين من الكتاب العرب والأجانب؟
- لا أدري إن كنت أستلهم سوى من حياتي ومن الناس الذين عرفتهم أو تأثرت بهم. أما قراءة الروايات فأتت متأخرة لأنني لم أكن أحبها وكنت أفضّل الشعر والمسرح عليها. في المسرح أظنني ختمت شكسبير وقرأت الكثير من غوته وهوفمانستال وكلايست وغيورغ بوشنر وغيرهم من الكتاب الألمان. وفي الشعر كان باول تسيلان الشاعر الذي أثّر فيّ إلى أبعد حد، بالإضافة إلى نيللي زاكس وروزه أوسلاندر وإنغبورغ باخمان وسواهم. واكتشاف الرواية جاء مع كافكا الذي قرّرت قراءته لأنني شعرت، في لحظة ما، أن تجاهله معيب!. وكان اكتشاف كافكا ما حثّني على التعرّف إلى هذا العالم. يمكنني القول إن عالمَي تسيلان وكافكا هما العالمان الأكثر سحراً بالنسبة إلي. أما من الكتاب العرب، فبدأت التعرف عليهم قبل عشر سنوات تقريباً، وكان لاكتشاف حسن داوود في الرواية وعباس بيضون ووديع سعادة وبسام حجّار في الشعر وقع يشبه وقع اكتشافي لكافكا وتسيلان، رغم الاختلاف بينهم جميعاً.
في أي حال، نحن دائماً نتأثر بما لا نستطيع تحديده أكثر مما نعرفه ونحدّده.

 

 نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2012-07-03 على الصفحة رقم 17 – ثقافة

 

http://assafir.com/article/280199

  • Grey Facebook Icon
  • Grey Vimeo Icon
  • Grey YouTube Icon
  • Grey Twitter Icon

© Chaza Charafeddine, 2016

bottom of page